Saturday, November 26, 2005

 

لصوص بغداد


في حين يناضل الشعب العراقي لتحديد مستقبله وسط الفوضى السياسية والعنف، فإن مصير أهم رصيد اقتصادي لديه، النفط، يتقرر خلف أبواب مغلقة.
ويكشف هذا التقرير المتعلق بسياسة نفطية مصدرها وزارة الخارجية الأميركية يجري الإعداد لها لتبنيها في العراق، بعد فترة وجيزة من انتخابات كانون الأول/ ديسمبر المقبل. من دون نقاش عام وبتكلفة اقتصادية عالية محتملة. وتعطي السياسة حق تطوير معظم حقول النفط العراقية(1) – ما لا يقل عن 64 بالمئة من حقول النفط العراقية- إلى الشركات متعددة الجنسيات.
ويعارض الرأي العام العراقي بقوة تسليم السيطرة على تطوير النفط إلى شركات أجنبية. لكن بمشاركة نشطة من الحكومتين البريطانية والأميركية، فإن مجموعة من السياسيين والتكنوقراطيين العراقيين يسعون لإبرام نظام من العقود طويلة الأجل مع شركات النفط الأجنبية لن تخضع للمحاكم العراقية، أو التدقيق العام، أو الرقابة الديمقراطية.
يكلف العراق المليارات.
التوقعات الاقتصادية التي تنشر هنا لأول مرة تبين أن نموذج تطوير حقول النفط المقترح سيكلف العراق مئات مليارات الدولارات من الإيرادات الضائعة، في حين يزود الشركات الأجنبية بأرباح هائلة.
النتائج الرئيسية التي توصلنا إليها هي:
إذا كان سعر برميل النفط 40 دولاراً، فإن العراق سوف يخسر ما بين 74ملياراً و194 مليار دولار خلال مدة سريان العقود(2)، من الحقول الإثني عشر الأولى وحدها التي سيجري تطويرها. وتمثل هذه التقديرات المبنية على افتراضات متحفظة ما بين ضعفين وسبعة أضعاف ميزانية الحكومة العراقية الحالية.
بموجب الشروط التي يحتمل أن تنص عليها العقود، فإن معدل عائد شركات النفط في العراق يتراوح ما بين 42% إلى 162%، وهو يزيد كثيراً عن الهدف الأدنى المعتاد في هذه الصناعة والبالغ 12% كعوائد على الاستثمار.
تجريد بموجب عقود
النقاش حول "خصخصة" النفط في العراق كان مضللاً في معظم الأحيان بسبب الطبيعة التقنية للتعبير، والذي يشير إلى الملكية القانونية لاحتياطيات النفط. وقد سمح ذلك للحكومات والشركات لأن تنكر وجود مجال للخصخصة. وفي الوقت نفسه، ثمة أسئلة عملية مهمة لم يتم تناولها حول تداعيات سيطرة القطاع العام مقابل سيطرة القطاع الخاص على تطوير النفط والإيرادات.
نموذج التطوير الذي يجري الترويج له في العراق، وتدعمه شخصيات رئيسية في وزارة النفط، يعتمد على عقود تعرف باسم "اتفاقيات تقاسم الإنتاج"، والموجودة في صناعة النفط منذ عقد الستينات. ويتفق خبراء النفط أن غرضها سياسي في المقام الأول: فهي من الناحية التقنية تبقى ملكية احتياطيات النفط في يد الدولة(3)، في حين تعطي شركات النفط، عملياً، النتائج ذاتها مثل اتفاقيات الإمتياز التي حلت محلها.
اتفاقيات تقاسم الإنتاج المكونة من مئات الصفحات من التعابير القانونية والمالية المعقدة، والتي تخضع بشكل عام لشروط السرية التجارية، محصنة عملياً من أي تدقيق عام، وتربط الحكومة بشروط اقتصادية لا يمكن تغييرها طيلة عقود مقبلة.
في حالة العراق، يمكن أن توقع العقود والحكومة ما زالت جديدة وضعيفة، والوضع الأمني كئيب. والبلد ما زال تحت الاحتلال العسكري. لذلك، الأغلب أن لا تكون الشروط مواتية للعراق. لكنها قد تدوم حتى 40 عاماً.
أضف إلى ذلك، أن اتفاقيات تقاسم الإنتاج تستثني شركات النفط الأجنبية من أي قوانين جديدة قد تؤثر على أرباحها. وغالباً ما تنص على أنه لا ينظر في النزاعات أمام محاكم البلد، بل في محاكم الاستثمار الدولية، والتي تتخذ قراراتها على أسس تجارية دون اعتبار للمصالح والقوانين الوطنية الأخرى. وهذا يعني أن العراق سيتخلى عن ديمقراطيته بمجرد أن يحصل عليها.
سياسة سلمتها أميركا للعراق.
روجت الإدارة الأميركية وشركات النفط بشدة لاتفاقيات تقاسم الإنتاج.
اقتراح استخدام اتفاقيات تقاسم الإنتاج في العراق قدم في مشروع "مستقبل العراق"، آلية تخطيط وزارة الخارجية الأميركية، قبل غزو العام 2003، وقد طورت تلك الاقتراحات فيما بعد على يد سلطة التحالف المؤقتة، والحكومة العراقية المؤقتة، والحكومة الانتقالية الحالية. كما أن الدستور العراقي يفتح الباب أمام الشركات الأجنبية، رغم أن ذلك تم بتعابير قانونية غامضة.
ما سيحدث في النهاية يعتمد بالطبع، على الوضع السياسي والأمني الأوسع، وعلى المفاوضات مع شركات النفط. إلا أن ثمة ضغط كبير يتعرض له العراق لتبني اتفاقيات تقاسم الإنتاج.
والحكومة الحالية تغذ الخطى لإتمام العملية وتتفاوض حالياً على عقود مع شركات النفط بشكل مواز للعملية الدستورية والانتخابات وتمرير قانون للبترول.
ويقترح الدستور أيضاً لامركزية للسلطة على عقود النفط، للهبوط بها من المستوى القومي إلى المستوى الاقليمي العراقي. وإذا طبقت فسوف يكون للمناطق قدرة أقل على المساومة من قدرة الحكومة الوطنية، مما سيؤدي إلى شروط هزيلة للعراق في أي صفقة مع شركات النفط.
انطلاقة راديكالية
لدعم قضيتها، تجادل شركات النفط ومؤيديها بأن اتفاقيات تقاسم الإنتاج هي من الممارسات القياسية في صناعة النفط وأنه ليس لدى العراق من خيار آخر لتمويل تطوير النفط. إلا أن تلك التأكيدات ليست صحيحة.
حسب أرقام وكالة الطاقة الدولية، فإن اتفاقيات تقاسم الإنتاج مستخدمة في حوالي 12% من الاحتياطي النفطي العالمي. وفي دول حيث حقول النفط الصغيرة (وغالباً قبالة الشاطئ)، وتكاليف الإنتاج عالية، واحتمالات اكتشاف النفط مشكوك فيها. ولا ينطبق أي من هذه الأوضاع على العراق.
لا تستخدم أي من الدول الرئيسية في إنتاج النفط في الشرق الأوسط اتفاقيات تقاسم الإنتاج وبعض الحكومات التي وقعتها ندمت على ما فعلته في روسيا، حيث تبع الجيشان السياسي انفتاح سريع للقطاع الخاص في التسعينات، كلفت اتفاقيات تقاسم الإنتاج الدولة مليارات الدولارات. ما جعل من غير المحتمل توقيع المزيد منها. ولا تحتاج المقارنة بالتحول العراقي الحالي إلى تفسير.
يدعي المدافعون عن اتفاقيات تقاسم الإنتاج أيضاً أن الحصول على استثمارات من شركات أجنبية من خلال هذا النوع من العقود سيوفر على الدولة 2.5 مليار دولار سنوياً، ويحرر أموالاً لإنفاقها على أوجه عامة أخرى. ورغم صحة هذا القول، فإن ما تستثمره شركات النفط الآن ستقابله خسارة كبيرة في عوائد الدولة من النفط فيما بعد.
وتبين حساباتنا أنه إذا استخدمت الحكومة العراقية اتفاقيات تقاسم الإنتاج فإن التكلفة التي ستدفعها مقابل رأس المال ستتراوح ما بين 75% و 119%. وحسب هذه التكلفة فإن الميزات المشار إليها هي ببساطة غير ذات قيمة.
لدى العراق تشكيلة من الخيارات الأقل تكلفة وضرراً لجمع الاستثمارات لقطاعها النفطي، وتشمل: تمويل التطوير من خلال الإنفاق من ميزانية الحكومة (كما هو الحال حالياً)، أو استخدام تدفقات النفط المستقبلية كضمانة لاقتراض المال، أو استخدام شركات النفط العالمية وإبرام عقود معها لفترات أقصر، وأقل تقييداً، وأقل سحاء من اتفاقيات تقاسم الإنتاج(4).
لمصحلة من؟
تمثل اتفاقيات تقاسم الإنتاج إعادة تصميم جذرية لصناعة النفط العراقية، تنقلها من الملكية العامة إلى الخاصة. الدافع الاستراتيجي لهذا الأمر هو سعي الولايات المتحدة وبريطانيا لتحقيق "أمن الطاقة" في سوق مضطرب وحاجة شركات النفط متعددة الجنسية "لحجز" احتياطيات جديدة تؤمن لها النمو في المستقبل.
ورغم ما فيها من عيوب بالنسبة للاقتصاد العراقي والديمقراطية يجري دفعها في العراق دون نقاش أو حوار.
إن من حق شعب العراق أن يقرر شروط تطوير مصادره النفطية. ونأمل أن يساعد هذا التقرير في تفسير العواقب المحتملة للقرارات الجاري اتخاذها سراً نيابة عنه.
ملاحظات:
1. ستبقى الحكومة العراقية مسيطرة على 17 حقلاً منتجاً فقط من أصل حوالي 80 حقلاً نفطياً معروفاً.
2. من الواضح أن الشروط المحددة للعقود المقترحة ستخضع للتفاوض: وقد بنيت توقعاتنا على تشكيلة من الشروط استخدمت في الدول الأكثر شبهاً بالعراق، بما في ذلك ليبيا التي ينظر إليها على أن لديها أشد الشروط صرامة في العالم. وتدفع الشركات متعددة الجنسيات للحصول على شروط مربحة بناء على مستويات الأخطار السياسية والأمنية المرتفعة. وتضع هذه الأخطار الحكومة العراقية في وضع تفاوضي ضعيف للغاية. التوقعات المستقبلية أعطيت بتقديرات حقيقية غير مخصومة (حسب أسعار 2006). وأفترض أن مدة العقد ستكون 30 عاماً حيث أن الفترة المعتادة لمثل هذه العقود تتراوح ما بين 25 و40عاماً.
القيمة الصافية الحالية (2006) للخسائر التي قد يتحملها العراق تتراوح ما بين 16 مليار دولار و 43 مليار دولار بسعر خصم مقداره 12%.
3. التعابير المستخدمة في اتفاقيات تقاسم الإنتاج تصف الشركات الخاصة بأنها "متعاقدة" ويبين هذا التقرير أن هذه التسمية مضللة لأن اتفاقيات تقاسم الإنتاج تعطي الشركات السيطرة على تطوير النفط ومدخل لجني أرباح طائلة.
1. وقد يشمل ذلك عقوداً إعادة الشراء، وعقود مخاطر الخدمة، أو عقود التطوير والإنتاج.
قام بالبحث والكتابة كريج موتيت من "بلاتفورم" www.carbonweb.org بمساعدة من جاي هيوز وكيتي كرونين من "كرايسز آكشن". www.crisisaction.org.uk قدم المشورة المتعلقة بتشكيل النموذج الاقتصادي الدكتور إيان روتلدج من "شيفلد لخدمات معلومات مصادر الطاقة" www.seris.co.uk تنشره "بلاتفورم" بالتعاون مع "منتدى السياسة العالمية" و"معهد دراسات السياسة" (مشروع الدولية الجديدة)، و"مؤسسة الاقتصاديات الجديدة"، و"تغيرات النفط العالمية والحرب على الفاقة" تشرين الثاني/نوفمبر 2005 . المحتويات